الضبيات آل البيت الكرام
اهلا وسهلا بك في منتديات الضبيات آل البيت الكرام

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الضبيات آل البيت الكرام
اهلا وسهلا بك في منتديات الضبيات آل البيت الكرام
الضبيات آل البيت الكرام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

سحابة الكلمات الدلالية

المواضيع الأخيرة
» نصيحة هامه
( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Emptyالسبت سبتمبر 08, 2018 7:27 am من طرف حارثة

»  إضاءات حول صلح الإمام الحسن عليه السلام
( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Emptyالثلاثاء مايو 29, 2012 11:57 pm من طرف انصار الله

»  ‏قال رسول الله ‏(ص): إني تارك فيكم ‏ ‏الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي !
( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Emptyالثلاثاء مايو 29, 2012 9:24 pm من طرف الضبيات آل البيت الكرام

» فضل الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام
( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Emptyالثلاثاء مايو 29, 2012 9:18 pm من طرف الضبيات آل البيت الكرام

» الأدلة من السنة النبوية على إمامة أهل البيت عليهم السلام
( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Emptyالثلاثاء مايو 29, 2012 9:02 pm من طرف السيد زكريا الهاشمي

» الشجرة التى قابل عندها سيدنا إبراهيم(عليه السلام) الملائكة ..
( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Emptyالإثنين مايو 28, 2012 7:44 pm من طرف علي سفيان الشاعري

» صورة المكان الذي دفن بـه كف العباس عليه السلامـ في كربلاء المقدسة
( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Emptyالإثنين مايو 28, 2012 7:38 pm من طرف علي سفيان الشاعري

» زياره السيد حسن نصر لله للامام الرضاعليه السلام سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في زياره حديثه للأمام الرضا سلام الله عليه
( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Emptyالإثنين مايو 28, 2012 7:32 pm من طرف علي سفيان الشاعري

» أسألكم الدعاء
( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Emptyالإثنين مايو 28, 2012 7:24 pm من طرف علي سفيان الشاعري

يوليو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
293031    

اليومية اليومية

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



الأصل في آل النبي صلى الله عليه وسلم أن يكرموا ولا يهانوا ، وأن يرفعوا ولا يوضعوا،

الجمعة مايو 18, 2012 2:50 am من طرف السيد زكريا الهاشمي

( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 380843_301482333219596_175464505821380_951534_11338653_n

تعاليق: 0

مناظرة ابن رسول الله الضبياني فيصل عفيف والوهابي العمده من السعوديه

الجمعة مايو 18, 2012 2:46 am من طرف السيد زكريا الهاشمي

اخى الفاضل انا هنا سوف اتكلم كلام عام لانى انا و بصراحة لا اهتم من بعيد او قريب بموضوع الانساب لانه بصراحة ربنا لم و لن يشغل بالى فى يوم من الايام.بهذ الموضوع......الرسول الاعظم صلى الله عليه و سلم اخى بين المهاجرين و …

[ قراءة كاملة ]

تعاليق: 1

الضبيات آل البيت الكرام

الأربعاء مايو 16, 2012 9:54 pm من طرف الضبيات آل البيت الكرام

( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 276296_100002712177311_641582_n

تعاليق: 1

من كنت مولاه فهذا علي مولاه

الخميس مايو 10, 2012 11:04 pm من طرف السيد زكريا الهاشمي

( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 389213_285305268230887_100002542486188_610465_822449039_n

تعاليق: 0

الشهيد معاذ فضل عبد الرحيم

الإثنين أبريل 23, 2012 8:53 pm من طرف الضبيات آل البيت الكرام

( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 540518_216047998508394_100003095855823_364636_689980472_n

( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 523977_216040921842435_100003095855823_364609_1024609121_n

تعاليق: 0

معاذ فضل عبد الرحيم

الجمعة أبريل 20, 2012 7:46 pm من طرف السيد زكريا الهاشمي

عاجل مقتل الشاب معاذ
فضل عبد الرحيم ابن التاجر فضل عبد الرحيم الضبيات في زنجبار مع انصار
الشريعه اليوم وقد لقيت الحادثه استياء كبير من قبل اهالي مدينة الضالع
بسبب تغرير الشباب من بعض المرتزقه وللعلم ان التاجر فضل عبد …

[ قراءة كاملة ]

تعاليق: 4

علي كرم الله وجهه

السبت أبريل 21, 2012 11:38 pm من طرف الضبيات آل البيت الكرام

( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 420187_372538442765130_242856925733283_1398121_1084655931_n

تعاليق: 0

اهدنا الصراط المستقيم

السبت أبريل 21, 2012 11:35 pm من طرف الضبيات آل البيت الكرام

( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 424045_376938868991754_242856925733283_1412851_1332041145_n

تعاليق: 0

اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد

السبت أبريل 21, 2012 11:16 pm من طرف الضبيات آل البيت الكرام

( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 529897_400417403310567_242856925733283_1495618_1831288020_n

تعاليق: 0


( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3

اذهب الى الأسفل

( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3 Empty ( 3 ) الامام الحسين بن علي عليه السلام ج3

مُساهمة من طرف السيد زكريا الهاشمي الأربعاء مارس 28, 2012 8:29 pm

شهداء أهل البيت عليهم السلام:

علي الأكبر:

ولما لم يبق مع الحسين إلاّ أهل بيته عزموا على ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مر ونفوس أبيّة، واقبل بعضهم يودّع بعضاً([133])، وأول من تقدّم أبو الحسن علي الأكبر([134]) وعمره سبع وعشرون سنة فانه ولد في الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة وكان مرآة الجمال النبوي ومثال خُلُقه السامي وانموذجاً من منطقه البليغ واذا كان شاعر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه:

واحسن منك لم تَر قطُّ عيني***وأجمل منك لم تلد النساء

خلقت مبرَّءاً من كلِّ عيب***كأنَّك قد خلقت كما تشاء

فمادح الأكبر يقول([135]):

لم ترَ عينٌ نظرت مثله***من محتف يمشي ومن ناعل

يغلي نهيء اللحم حتى إذا***انضج لم يغلِ على الاكل

كان إذا شبَّت له ناره***اوقدها بالشرف القابل

كما يراها بائس مرمل***او فرْدُ حي ليس بالآهل

لا يؤثر الدنيا على دينه***ولا يبيع الحقَّ بالباطل

أعني «ابن ليلى» ذا الندى والسدى***أعني ابن بنت الحَسَب الفاضل

فعل الأكبر هو المتفرّع من الشجرة النبويّة الوارث للمآثر الطيّبة، وكان حريا بمقام الخلافة لولا انها منصوصة من إله السماء، وقد سجّل سبحانه أسماءهم في الصحيفة النازل بها جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بان علي السجاد هو الإمام بعد أبيه.

ورث الصفات الغرِّ وهْي تراثه***من كلِّ غِطريف وشهم اصيد

في بأس حمزة في شجاعة حيدر***بإبا الحسين وفي مهابة أحمد

وتراه في خلق وطيب خلائق***وبليغ نطق كالنبيِّ محمّد([136])

ولما يمم الحرب عزَّ فراقه فاستأذن أباه وبرز على فرس الحسين تسمى «لاحقاً».

ومن جهة أنَّ ليلى ام الأكبر بنت ميمونة ابنة أبي سفيان([137]) لذا صاح رجل من القوم: يا علي إن لك رحماً بأمير المؤمنين «يزيد» ونريد ان نرعى الرحم فان شئت آمناك، قال (عليه السلام): ان قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحق أن ترعى([138]) ثم شد يرتجز معرِّفاً بنفسه القدسيّة وغايته السامية:

أنا علي بن الحسين بن علي***نحن وربُّ البيت أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي([139])***أضرب بالسيف احامي عن أبي

ضــرب غلام هاشمـيٍّ قـرشي

ولم يتمالك الحسين (عليه السلام) دون أن أرخى عينيه بالدموع([140]) وصاح بعمر بن سعد: ما لك؟ قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وسلّط عليك من يذبحك على فراشك([141])، ثم رفع شيبته المقدّسة نحو السماء وقال: اللهم اشهد على هؤلاء فقد برز اليهم اشبه الناس برسولك محمّد خَلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً([142]) وكنا إذا اشتقنا الى رؤية نبيّك نظرنا إليه، اللهم فامنعهم بركات الأرض وفرّقهم تفريقا ومزّقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قدداً ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فانّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا، ثم تلا قوله تعالى: (إنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبراهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِيْنَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)([143]).

ولم يزل يحمل على الميمنة ويعيدها على الميسرة ويغوص في الاوساط فلم يقابله جحفل الاّ ردَّه ولا برز إليه شجاع إلا قتله:

يرمي الكتائب والفلا غصَّت بها***في مثلها من بأسه المتوقِّد

فيردّها قسراً على اعقابها***في بأس عرّيس العرينة ملبد

فقتل مائة وعشرين فارساً وقد اشتدّ به العطش فرجع الى ابيه يستريح ويذكر ما أجهده من العطش([144]) فبكى الحسين وقال: وا غوثاه ما اسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربةً لا تظمأ بعدها وأخذ لسانه فمصّه ودفع اليه خاتمه ليضعه في فيه([145]).

ويؤوب للتوديع وهو مكابد***لظما الفؤاد وللحديد المجهد

صادي الحشا وحسامه ريّان من***ماء الطلا وغليله لم يبرد

يشكو لخير أب ظماه وما اشتكى***ظمأ الحشا إلا الى الظامي الصدي

كلٌّ حشاشته كصالية الغضا***ولسانه ظمأ كشقة مبرد

فانصاع يؤثره عليه بريقه***لو كان ثَمَّة ريقه لم يجمد

وَمُذْ انثنى يلقى الكريهة باسماً***والموت منه بمسمع وبمشهد

لفَّ الوغى وأجالها جول الرحى***بمثقَّف من بأسه ومهنَّد

يلقى ذوابلها بذابل معطف***ويشيم أنصلها بجيد أجيد

حتى إذا ما غاص في اوساطهم***بمطهَّم قبَّ الاياطل اجرد

عثر الزمان به فغودر جسمه***نهب القواضب والقنا المتقصِّد

ورجع «علي» الى الميدان مبتهجاً بالبشارة الصادرة من الامام الحجة عليه السلام بملاقاة جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، فزحف فيهم زحفة العلوي السابق وغيّر في وجوه القوم ولم يشعروا أهو «الأكبر» يطرد الجماهير من اعدائه، أم أن «الوصي» عليه السلام يزأر في الميدان، أم أن الصواعق تترى في بريق سيفه، فأكثر القتلى في أهل الكوفة حتى أكمل المائتين.

فقال مرّة بن منقذ العبدي: عليَّ آثام العرب إن لم أثكل أباه به فطعنه بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته واعتنق فرسه فاحتمله الى معسكر الأعداء وأحاطوا به حتى قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً([146]).

ومحا الردى يا قاتلَ اللهُ الردى***منه هلالَ دجى وغرة فرقد

يا نجعة الحيَّيْن هاشم والندى***وحمى الذماريْن العلى والسؤدد

كيف ارتقت همم الردى لك صعدة***مطرورة الكعبين لم تتأوَّد

أفديه من ريحانة ريّانة***جفَّت بحرِّ ظما وحرِّ مهنَّد

بكر الذبول على نضارة غصنه***إن الذبول لآفة الغصن الندي

لله بدرٌ من مراق نجيعه***مزج الحسام لجينه بالعسجد

ماء الصبا ودم الوريد تجاريا***فيه ولاهب قلبه لم يخمد

لم انسه متعمما بشبا الظبى***بين الكماة وبالأسنَّة مرتدي

خضبت ولكن من دم وفراته***فاخضر ريحان العذار الأسود

ونادى رافعاً صوته: عليك مني السلام ابا عبدالله، هذا جدي قد سقاني بكأسه شربة لا اظمأ بعدها، وهو يقول: إن لك كاساً مذخورة، فأتاه الحسين (عليه السلام) وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدّه وهو يقول: على الدنيا بعدك العفا ما اجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول، يعز على جدّك وابيك ان تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثونك.

ثم أخذ بكفّه من دمه الطاهر ورمى به نحو السماء فلم يسقط منه قطرة! وفي هذا جاءت زيارته: «بأبي أنت وامي من مذبوح ومقتول من غير جرم، بأبي انت وامي دمك المرتقى به الى حبيب الله بأبي أنت واُمي من مقدم بين يديك أبيك زفرة([147])!

وحرائر بيت الوحي نظرن إليه محمولا قد جللته الدماء بمطارف العز حمراء وقد وزع جثمانه الضرب والطعن فاستقبلنه بصدور دامية وشعور منشورة وعولة تصكُّ سمع الملكوت وامامهن عقيلة بني هاشم «زينب الكبرى» ابنة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)([148]) صارخة نادبة فألقت بنفسها عليه تضم اليها جمام نفسها الذاهب وحمى خدرها المنثلم وعماد بيتها المنهدم.

لهفي على عقائل الرسالة***لمّا رأينه بتلك الحالة([149])

علا نحيبهُنَّ والصياح***فاندهش العقول والأرواح

ناحت على كفيلها العقائل***والمكرمات الغرُّ والفضائل

لهفي لها إذ تندب الرسولا***فكادت الجبال أن تزولا

عبدالله بن مسلم:

وخرج من بعده عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وامه رقية الكبرى بنت امير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقول:

اليوم القى مسلماً وهو أبي***وعصبة بادوا على دين النبي

ليس كقوم عرفوا بالكذب***لكن خيار وكرام النسب

فقتل جماعة بثلاث حملات([150]) ورماه يزيد بن الرقاد الجهني بسهم([151]) فاتقاه بيده فسمرها إلى جبهته فما استطاع ان يزيلها عن جبهته([152]) فقال: اللهم انهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا، وبينا هو على هذا إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه ومات([153]) فجاء إليه يزيد ابن الرقاد واخرج سهمه من جبهته وبقي النصل فيها وهو ميّت([154]).

حملة آل ابي طالب:

ولما قتل عبدالله بن مسلم حمل آل أبي طالب حملة واحدة فصاح بهم الحسين (عليه السلام): صبراً على الموت يا بني عمومتي والله لا رايتم هواناً بعد هذا اليوم، فوقع فيهم عون بن عبدالله بن جعفر الطيّار، وامه العقيلة زينب.

واخوه محمد وامه الخوصاء وعبدالرحمن بن عقيل بن أبي طالب واخوه جعفر ابن عقيل ومحمد بن مسلم([155]).

وأصابت الحسن المثنى ابن الامام الحسن السبط عليه السلام ثمان عشرة جراحة وقطعت يده اليمنى ولم يستشهد.

وخرج أبو بكر بن امير المؤمنين (عليه السلام)([156]) واسمه محمّد([157]) وهو يترجز ويقول:

شيخي عليٌّ ذو الفخار الأطول***من هاشم الخير الكريم المفضل

هذا حسين ابن النبي المرسل***عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من اخ مبجل***يا رب فامنحني ثواب المنزل

فقاتل قتالا شديداً، فحمل عليه رجل من اصحاب عمر بن سعد يقال له زحر بن بدر النخعي فقتله رحمه الله([158]).

وخرج عبدالله بن عقيل فما زال يضرب فيهم حتى اثخن بالجراح وسقط الى الأرض فجاء إليه عثمان بن خالد التميمي فقتله.

وخرج اخوه عون بن عبدالله بن جعفر الطيّار وامه العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين، واستأذن من خاله الحسين (عليه السلام) وهو يرتجز ويقول:

ان تنكروني فانا ابن جعفر***شهيد صدق في الجنان ازهر

يطير فيها بجناح اخضر***كفى بهذا شرفاً في المحشر

ثم قاتل فقتل ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلا، فحمل عليه عبدالله بن قطبة الطائر فقتله.

القاسم واخوه:

وخرج ابو بكر بن الحسن بن امير المؤمنين (عليه السلام) وهو عبدالله الأكبر وامه ام ولد([159]) يقال لها رملة فقاتل حتى قتل.

وخرج من بعده اخوه لامه وابيه القاسم، وهو غلام لم يبلغ الحلم، فلما نظر إليه الحسين (عليه السلام) اعتنقه وبكى ثم اذن له فبرز كأن وجهه شقّة قمر([160]) وبيده السيف وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان ويرتجز ويقول:

ان تنكروني فانا نجل الحسن***سبط النبي المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن***بين اناس لاسُقوا صوب المُزُن

فمشى يضرب بسيفه فقاتل قتالا شديداً حتى انقطع شسع نعله اليسرى([161])، وأنف ابن النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يحتفي في الميدان فوقف يشدّ شسع نعله وهو لا يزن الحرب الا بمثله غير مكترث بالجمع ولا مبال بالاُلوف.

وبينما هو على هذا إذ شدّ عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي فقال له حميد بن مسلم: وما تريد من هذا الغلام؟ يكفيك هؤلاء الذين تراهم احتوشوه! فقال: والله لأشدنّ عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه، فقال: يا عمّاه، فأتاه الحسين كالليث الغضبان فضرب عمراً بالسيف فاتّقاه بالساعد فأطنها من المرفق، فصاح صيحة عظيمة سمعها العسكر فحملت خيل ابن سعد لتستنقذه فاستقبلته بصدرها ووطأته بحوافرها فمات.

وانجلت الغبرة وإذا الحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه! والحسين يقول: بعداً لقوم قتلوك خصمهم يوم القيامة جدّك.

ثم قال: عز والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوتٌ والله كثر واتره وقلَّ ناصره، ثم احتمله وكان صدره على صدر الحسين (عليه السلام) ورجلاه يخطّان في الأرض فألقاه مع علي الأكبر وقتلى حوله من أهل بيته([162]) ورفع طرفه الى السماء وقال: اللهم احصهم عدداً ولا تغادر منهم أحداً ولا تغفر لهم أبداً! صبراً يا بني عمومتي صبراً يا أهل بيتي، لا رايتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً([163]).

اخوة العباس عليه السلام:

ولما رأى العباس عليه السلام كثرة القتلى من أهله قال لإخوته من اُمّه وأبيه عبدالله وعثمان وجعفر: تقدّموا يا بني اُمي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله، والتفت إلى عبدالله وكان أكبر من عثمان وجعفر وقال: تقدّم يا أخي حتى أراك قتيلا وأحتسبك([164]).

شهادة أبي الفضل العباس عليه السلام:

ولم يستطع العبّاس صبراً على البقاء بعد أن فنى صحبه وأهل بيته ويرى «حجة الوقت» مكثوراً قد انقطع عنه المدد وملأ مسامعه عويل النساء وصراخ الأطفال من العطش فطلب من أخيه الرخصة، ولما كان العباس عليه السلام أنفس الذخائر عند السبط الشهيد عليه السلام لأن الاعداء تحذر صولته وترهب اقدامه والحرم مطمئنة بوجوده كلّما تنظر اللواء مرفوعاً، فلم تسمح نفسه «أبي الضيم» القدسيّة بمفارقته فقال له: يا أخي «أنت صاحب لوائي»([165]).

قال العباس: قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين وأُريد أن آخذ ثأري منهم، فأمره الحسين (عليه السلام) أن يطلب الماء للاطفال، فذهب العباس الى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع! فنادى بصوت عال: يا عمر بن سعد: هذا الحسين ابن بنت رسول الله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى، فاسقوهم من الماء قد أحرق الظمأ قلوبهم وهو مع ذلك يقول: دعوني اذهب الى الروم أو الهند وأُخلي لكم الحجاز والعراق، فأثّر كلامه في نفوس القوم حتى بكى بعضهم ولكن الشمر صاح بأعلى صوته: يا ابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كلّه ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.

فرجع الى أخيه يخبره فسمع الأطفال يتصارخون من العطش([166]) فلم تتطامن نفسه على هذا الحال وثارت به الحميّة الهاشميّة:

يوم أبو الفضل تدعو الظاميات به***والماء تحت شبا الهنديَّة الخذم

والخيل تصطكُّ والزغف الدلاض على***فرسانها قد غدت ناراً على علم

وأقبل الليث لا يلويه خوف ردى***بادي البشاشة كالمدعوِّ للنعم

يبدو فيغدو صميم الجمع منقسما***نصفين ما بين مطروح ومنهزم([167])

ثم انه ركب جواده وأخذ القربة، فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم، وأخذ يطرد اولئك المنافقين وحده ولواء الحمد يرف على رأسه، ولم يشعر القوم أهو العباس يجدل الأبطال أم أن الوصي يزأر في الميدان! فلم تثبت له الرجال، ونزل الى الفرات مطمئناً غير مبال بذلك الجمع.

ولما اغترف من الماء ليشرب تذكر عطش الحسين ومن معه فرمى الماء وقال([168]):

يا نفس من بعد الحسين هوني***وبعده لا كنتِ أنْ تكوني

هذا الحسين وارد المنون***وتشربين بارد المعين

تـاللهِ مـا هـذا فِعـال دينـي([169])

ثم ملأ القربة وركب جواده وتوجّه نحو المخيّم، فَقُطِع عليه الطريق وجعل يضرب حتى أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق وهو يقول:

لا أرهب الموت إذا الموت رقا***حتى أُوارى في المصاليت لقى

نفسي لسبط المصطفى الدهر وقى***إني أنا العباس أغدو بالسقا

ولا أخاف الشرَّ يوم الملتقى فكمن له زيد بن الرقاد الجهني من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فبراها فقال عليه السلام:

والله إنْ قطعتُمُ يميني***إني أُحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين***نجل النبيِّ الطاهر الأمين

فلم يعبأ بيمينه بعد أن كان همُّه إيصال الماء الى أطفال الحسين وعياله، ولكن حكيم بن الطفيل كمن له من وراء نخلة، فلمّا مرّ به ضربه على شماله فقطعها([170]) وتكاثروا عليه. وأتته السهام كالمطر فأصاب القربه سهم وأُريق ماؤها وسهم اصاب صدره([171]) وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته!

وهوى بجنب العلقميِّ فليته***للشاربين به يداف العلقم

وسقط على الأرض ينادي([172]): عليك مني السلام أبا عبدالله، فأتاه الحسين (عليه السلام) ([173]) وليتني علمت بماذا أتاه أبحياة مستطارة منه بهذا الفادح الجلل أم بجاذب من الاخوة الى مصرع صنوه المحبوب !؟

نعم وقف الحسين (عليه السلام) عنده وهو يبصر قربان القداسة فوق الصعيد قد غشيته الدماء وجللته النبال فلا يمين تبطش ولا منطق يرتجز ولا صولة ترهب ولا عين تبصر ومرتكز الدماغ على الأرض مبدد!!

أصحيح أن الحسين ينظر الى هذه الفجائع ومعه حياة ينهض بها؟ لم يبق الحسين بعد أبي الفضل إلا هيكلا شاخصاً معرَّىً عن لوازم الحياة وقد أعرب سلام الله عليه عن هذا الحال بقوله: الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي([174]).

وبان الانكسار في جبينه***فاندكَّت الجبال من حنينه

وكيف لا وهو جمال بهجته***وفي محياه سرور مهجته

كافل أهله وساقي صبيته***وحامل اللوا بعالي همّته([175])

وتركه في مكانه لسرّ مكنون أظهرته الأيام وهو أن يدفن في موضعه منحازاً عن الشهداء ليكون له مشهد يقصد بالحوائج والزيارات وبقعة يزدلف اليه الناس وتتزلف الى المولى سبحانه تحت قبّته التي ضاهت السماء رفعةً وسناء فتظهر هنالك الكرامات الباهرة وتعرف الأُمة مكانته السامية ومنزلته عند الله تعالى.

ورجع الحسين (عليه السلام) الى المخيّم منكسراً حزيناً باكياً يكفكف دموعه بكمّه وقد تدافعت الرجال على مخيّمه فنادى: أما من مغيث يغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حق ينصرنا؟ أما من خائف من النار فيذب عنّا؟ ([176]) فأتته سكينة وسألته عن عمّها، فاخبرها بقتله! وسمعته زينب فصاحت: وا أخاه وا عبّاساه وا ضيعتنا بعدك! وبكين النسوة، فانّا لله وانّا اليه راجعون، وقال عليه السلام: وا ضيعتنا بعدك!!

نادى وقد ملأ البوادي صيحة***صمُّ الصخور لهولها تتألّم

أأُخيُّ من يحمي بنات محمّد***إذ صرْنَ يسترحمْنَ من لا يرحم

ما خلت بعدك أن تشلَّ سواعدي***وتكفَّ باصرتي وظهري يقصم

لسواك يلطم بالاكفِّ وهذه***بيض الظبى لك في جبيني تلطم

ما بين مصرعك الفظيع ومصرعي***إلاّ كما أعدوك قبل وتنعم

هذا حسامك من يذلُّ به العدى***ولواك هذا من به يتقدَّم

هوَّنت يا ابن أبي مصارع فتيتي***والجرح يسكنه الذي هو أألَم

فأكبَّ منحنياً عليه ودمعه***صبغ البسيط كأَنَّما هو عندم

قد رام يلثمه فلم ير موضعاً***لم يدمه عضُّ السلاح فيلثم([177])

سيّد الشهداء عليه السلام في الميدان:

ولمّا قتل العبّاس التفت الحسين (عليه السلام) فلم ير أحداً ينصره ونظر الى أهله وصحبه مجزَّرين كالأضاحي وهو إذ ذاك يسمع عويل الأيامى وصراخ الأطفال صاح بأعلى صوته: هل من ذابٍّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا؟ فارتفعت أصوات النساء بالبكاء([178]).

ونهض السجّاد (عليه السلام) يتوكّأ على عصا ويجرّ سيفه لانه مريض لا يستطيع الحركة فصاح الحسين (عليه السلام) باُم كلثوم احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمّد فأرجعته الى فراشه([179]).

ثم انه عليه السلام أمر عياله بالسكوت وودّعهم وكانت عليه جبّة خز دكناء([180]) وعمامة مورَّدة ارخى لها ذوابتين والتحف ببردة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وتقلد بسيفه([181]).

وطلب ثوبا لا يرغب فيه أحد يضعه تحت ثيابه لئلا يجرد منه فانه مقتول مسلوب، فأتوه بتبان([182]) فلم يرغب فيه لانه من لباس الذلّة([183]) وأخذ ثوباً خلقاً وخرقه وجعله تحت ثيابه([184]) ودعا بسراويل حبره ففرزها ولبسها لئلا يسلبها([185]) الأعداء.

وروي أنه لما أراد أن يتقدّم الى القتال نظر يميناً وشمالا ونادى ألا هل من يقدّم لي جوادي فسمعته العقيلة زينب فخرجت وأخذت بعنان الجواد وأقبلت إليه وهي تقول: لمن تنادي وقد قرحت فؤادي.

الرضيـع([186]):

نقل معالي السبطين عن الحدائق الورديّة، وفي تاريخ اليعقوبي أنه ولد للإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء مولود فجاء الى باب الخيمة وقال: ناولوني ولدي، ولما جيء به أخذه فاذن في اذنه اليمنى وأقام في اليسرى وحنّكه «وقيل سمّاه، علي الأصغر» ولما أراد أن يقبّله رماه عبدالله بن عقبة الغنوي - لعنه الله - بسهم في حلقه فذبحه، فأخذ الإمام الحسين (عليه السلام) كفّاً من دمه ورماه الى السماء «ويروى انّه لطّخه بدمه» وقال: اللهم لا يكون هذا عليك أهون من فصيل ناقة صالح، وكانت أمه ام اسحاق بن طلحة. ونظم بهذا الحادث شعراً السيد حيدر الحلّي:

ومنعطفاً أهوى لتقبيل طفله***فقبّل منه قبله السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردى***ومن قبله في نحره السهم كبّرا

وأجمع المؤرّخون ان الإمام الحسين (عليه السلام) دعا بولده الرضيع يودّعه، فأتته الحوراء زينب بابنه عبدالله([187]) وأُمّه الرباب فأجلسه في حجره يقبّله([188]) ويقول بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدّك المصطفى خصمهم([189])، ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء، فتنازع القوم فيما فريق ينادى اسقوه الماء وآخر يعارض، فالتفت عمر بن سعد الى حرملة بن كاهل وقال له: اقطع نزاع القوم.

فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقى الحسين (عليه السلام)الدم بكفه ورمى به نحو السماء.

قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): فلم تسقط منه قطرة([190])، وفيه يقول حجّه آل محمّد عجّل الله فرجه: السلام على عبدالله الرضيع المرمي الصريع المتشحّط دما والمصعد بدمه الى السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه، لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه([191]).

ورُبَّ رضيع ارضعته قسيهم***من النبل ثديا درُّه الثر فاطمه

فلهفي له مذ طوَّق السهم جيده***كما زينته قبل ذاك تمائمه

ولهفي على أُمِّ الرضيع وقد دجى***عليها الدجى والدوح نادت حمائمه

الى أن تقول:

بُنيَّ فقد درَّا وقد كضك الظما***فعلَّه يطفي من عليلك ضارمه

بُنيَّ لقد كنت الأنيس لوحشتي***وسلواي إذ يسطو من الهم غاشمه([192])

ثم قال الحسين (عليه السلام): هوَّن ما نزل بي انه بعين الله تعالى([193]) اللهم لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح، إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين([194]) واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل([195])، اللهم انت الشاهد على قوم قتلوا اشبه الناس برسولك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم([196])، وسمع عليه السلام قائلا يقول: دعه يا حسين فانه له مُرْضِعاً في الجنة([197])، ثم نزل عليه السلام عن فرسه وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرمّلا بدمه وصلّى عليه([198]) ويقال وضعه مع قتلى أهل بيته([199]).

وتقدّم الحسين (عليه السلام) نحو القوم مصلتاً سيفه آيساً من الحياة ودعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتى قتل جمعاً كثيراً([200]) ثم حمل على الميمنة وهو يقول:

الموت أوْلى من ركوب العار***والعار أوْلى من دخول النار([201])

وحمل على الميسرة وهو يقول:

أنا الحسين بن علي***آلَيْتُ أنْ لا أنثني

أحمي عيالات أبي***أمضي على دين النبي([202])

قال عبدالله بن عمار بن يغوث: ما رأيت مكثوراً قط قد قُتِلَ ولده وأهل بيته وصحبه اربط جاشاً منه ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها ولم يثبت له أحد([203]).

فصاح عمر بن سعد بالجمع: هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب احملوا عليه من كل جانب، فأتته أربعة آلاف نبلة([204]) وحال الرجال بينه وبين رحله فصاح بهم: يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا الى أحسابكم ان كنتم عرباً كما تزعمون.

فناداه شمر: ما تقول يا ابن فاطمة؟ قال: انا الذي اقاتلكم والنساء ليس عليهنّ جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً.

قال اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي***قد حان حيني وقد لاحت لوائحه

فقال الشمر: لك ذلك.

ثم صاح بعسكره اليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه فلعمري هو كفؤ كريم.

وقصده القوم واشتد القتال وقد اشتد به العطش([205])، فحمل من نحو الفرات على عمرو بن الحجاج وكان في أربعة آلاف فكشفهم عن الماء واقحم الفرس الماء فلما همَّ الفرس ليشرب قال الحسين: انت عطشان وانا عطشان فلا اشرب حتى تشرب! فرفع الفرس رأسه كأنه فهم الكلام ولما مدّ الحسين يده ليشرب ناداه رجل اتلتذّ بالماء وقد هتكت حرمك؟ فرمى الماء ولم يشرب وقصد الخيمة([206]).

يروي الثرى بدمائهم وحشاه من***ظمأ تطاير شعلة قطعاتها

لو قلبت من فوق غلَّة قلبه***صمُّ الصفا ذابت عليه صفاتها

تبكي السماء له دماً أفلا بكت***ماءاً لغلَّة قلبه قطراتها

واحرَّ قلبي يا ابن بنت محمّد***لك والعدى بك انجحت طلباتها

منعتك من نيل الفرات فلا هَنا***للناس بعدك نيلُها وفراتُها([207])

الوداع الأول:

مناقب آل أبي طالب([208])، ومقتل الحسين (عليه السلام) ([209]).

قالوا: لما عزم الإمام الحسين (عليه السلام) على ملاقات الحتوف، جاء ووقف بباب خيمة النساء([210]) مودعاً لِحُرمه ، مُخدّرات الرسالة وعقائل النبوّة ونادى:

يا زينب، يا ام كلثوم، يا فاطمة، يا سكينة، عليكنّ منّي السلام.

فاقبلن اليه، ودرن حوله، ولسان حال زينب يقول:

قوموا إلى التوديع ان اخي دعا***بجواده ان الفراق طويل

فخرجن ربات الحجال حواسراً***وغدالها حول الحسين عويل

فنادته سكينة([211]): يا أبة استسلمت للموت؟! فقال: كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين؟!

فقالت: ردّنا الى حرم جدّنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فبكى الحسين بكاءً شديداً.

وقال: هيهات!! لو ترك القطا لغفا ونام، وتمثّل بقول الشاعر:

لقد كان القطاة بأرض نجد***قرير العين لم تجد الغراما

تولته البُزاة فهيّمته***ولو ترك القطا لغفا وناما

فرفعت سكينة صوتها بالبكاء والنحيب، فضمّها الحسين (عليه السلام) الى صدره ومسح دموعها بكمّه، وكان يحبّها حبّاً شديداً، وجعل يقول:

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي***منك البكاء اذا الحمام دهاني([212])

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة***ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قتلت فانت أولى بالذي***تأتينه يا خيرة النسوانِ

ثم قال: اتوني بثوب لا يرغب فيه اليه غير ثيابي حتى لا اجرد فاني مقتول مسلوب، فأتوه بتبان([213]) فأبى ان يلبسه وقال: هذا لباس أهل الذمّة، ثم أتوه بشيء أوسع منه.

فجاءته السيدة زينب وقد اخذت بعنان الجواد تقوده وتقول: اخي لمن تنادي قطّعت نياط قلبي، ثم قالت: ما أجلدني وأقساني، أي أخت تُقدّم لاخيها فرس الموت؟

ثم برز الى القتال وقال: يا أهل الكوفة قبحاً لكم وترحا، وبؤساً لكم وتعسا، حين استصر ختمونا والهين، فأتيناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيماننا، وحششتم لأعدائكم من غير عدل افشوه فيكم، ولا ذنب كان منا اليكم، فهلا لكم الويلات، إذ كرهتمونا ; تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، لكنكم أسرعتم الى بيعتنا كسرع الدبا([214]) وتهافتّم اليها كتهافت الفَراش ثم نقضتموها سفهاً وضلّة، فتكاً لطواغيت الامة، وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب، ثم انتم تتخاذلون عنا وتقتلوننا الا لعنة الله على الظالمين.

الوداع الثاني:

ثم انه عليه السلام ودّع عياله ثانياً وأمرهم بالصبر ولبس الأُزر وقال: استعدّوا للبلاء واعلموا ان الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شرّ الأعداء ويجعل عاقبة أمركم الى خير ويعذّب عدوّكم بأنواع العذاب ويعوِّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم.

حقاً لو قيل بأن هذا الموقف من أعظم ما لاقاه سيد الشهداء في هذا اليوم فان عقائل النبوّة تشاهد عماد اخبيتها وسياج صونها وحمى عزِّها ومعقد شرفها مؤذناً بفراق لا رجوع بعده فلا يدرين بمن يعتصمن من عادية الأعداء وبمن العزاء بعد فقده! فلا غرو إذا اجتمعن عليه وأحطن به وتعلّقن بأطرافه، بين صبي يئن ووالهة أذهلها المصاب وطفلة تطلب الأمن واخرى تنشد الماء! إذاً فما حال سيد الغيارى ومثال الحنان وهو ينظر الى ودائع الرسالة وحرائر بيت العصمة وهنّ لا يعرفن الا سجف العز وحجب الجلال، كيف يتراكضن في هذه البيداء المقفرة بعولة مشجية تفطّر الصخر الأصم وزفرات متصاعدة من أفئدة حرّى! فان فررن فعن السلب وان تباعدن فمن الضرب ولا محام لهن غير الإمام الذي انهكته العلّة:

فلو أنَّ ايوباً رأى بعض ما رأى***لقال: بلى هذا العظيمة بلواه

أما عقيلة بني هاشم «زينب الكبرى» فإنها تبصر هذا وذاك فتجد عروة الدين الوثقى عرضة للانفصام وحبل النبوّة آيلا الى الانصرام ومنار الشريعة الى الخمود وشجرة الإمام الى الذبول.

تنعى ليوث البأس من فتيانها***وغيوثها إِنْ عمَّت البأساء

تبكيهُمُ بدم فقل بالمهجة الحرَّى***تسيل العبرة الحمراء

حنَّت ولكنَّ الحنين بكا وقد***ناحت ولكنْ نوحها ايماء([215])

والتفت الحسين (عليه السلام) الى ابنته سكينة التي يصفها للحسن المثنى «بأن الاستغراق مع الله غالب عليها» فرآها منحازة عن النساء باكية نادبة فوقف عليها مصبراً ومسلياً ولسان حاله يقول:

هذا الوداع عزيزتي والملتقى***يوم القيامة عند حوض الكوثر

فدعي البكاء وللأسار تهيَّأي***واستشعري الصبر الجميل وبادري

وإذا رأيتيني على وجه الثرى***دامي الوريد مبضَّعاً فتصبّري([216])

فقال عمر بن سعد: ويحكم اهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه وحرمه والله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم، فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين أطناب المخيم وشك سهم بعض ازر النساء فدهشْنَ واُرعبْنَ وصحْنَ ودخلن الخيمة ينظرن الى الحسين (عليه السلام) كيف يصنع فحمل عليهم كالليث الغضبان فلا يلحق أحداً الا بعجه بسيفه فقتله والسهام تأخذه من كلّ ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره([217]).

ورجع الى مركزه يكثر من قول لا حول ولا قوّة إلا بالله العظيم([218]) ، وطلب في هذه الحال ماءاً فقال الشمر: لا تذوقه حتى ترد النار، وناداه رجل: يا حسين ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيات؟ فلا تشرب منه حتى تموت عطشاً فقال الحسين: اللهم امته عطشاً، فكان ذلك الرجل يطلب الماء فيؤتى به فيشرب حتى يخرج من فيه وما زال كذلك الى ان مات عطشاً([219]).

ورماه أبو الحتوف الجعفي بسهم في جبهته فنزعه وسالت الدماء على وجهه فقال: اللهم انك ترى ما انا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً ولا تغفر لهم أبداً.

وصاح بصوت عال: يا اُمّة السوء بئسما خلفتم محمّداً في عترته أما انكم لا تقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك قتلكم اياي وايم الله اني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.

فقال الحصين: وبماذا ينتقم لك منا يا ابن فاطمة؟ قال يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم ثم يصب عليكم العذاب صبا([220]).

ولما ضعف عن القتال وقف يستريح فرماه رجل بحجر على جبهته فسال الدم على وجهه فأخذ الثوب ليسمح الدم عن عينيه رماه آخر بسهم محدد له ثلاث شعب وقع على قلبه فقال: بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله ورفع رأسه الى السماء وقال: إلهي انك تعلم انهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري!!

ثم قال: اللهم احبس عنهم قطر السماء، وامنعهم بركات الأرض ، وان متّعتهم الى حين ففرّقهم فرقا، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترضي الولاة عنهم أبدا، فانّهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا.

ثم أخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب([221])فوضع يده تحت الجرح فلمّا امتلأت رمى به نحو السماء وقال: هوَّن عليَّ ما نزل بي انه بعين الله فلم يسقط من ذلك الدم قطرة الى الأرض([222])! ثم وضعها ثانياً فلما امتلأت لطّخ به رأسه ووجهه ولحيته وقال: هكذا أكون حتى ألقى الله وجدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وانا مخضّب بدمي وأقول: يا جدّي قتلني فلان وفلان([223])، وسقط عليه السلام من ظهر جواده على الأرض، ونظم المرحوم السيد حيدر الحلّي هذه القصيدة بالمناسبة:

فهوى بضاحية الهجير ضريبة***تحت السيوف لحدِّها المسنون

وقفت له الأفلاك حين هويِّه***وتبدَّلت حركاتها بسكون

وبها نعاه الروح يهتف منشداً***عن قلب والهة بصوت حزين

وتصك جبهتك السيوف وانها***لولا يمينك لم تكن ليمين

وأعياه نزف الدم فجلس على الأرض ينوء برقبته فانتهى اليه في هذا الحال مالك بن النسر فشتمه ثم ضربه بالسيف على رأسه وكان عليه برنس فامتلأ البرنس دماً، فقال الحسين (عليه السلام): لا أكلت بيمينك ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين ثم ألقى البرنس واعتم على القلنسوة([224]).

فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى، وضربه آخر على عاتقه بالسيف، وطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في صدره، ورماه آخر بسهم فوقع في نحره، فضعف عن القتال ولم يستطع النهوض فعمل له وسادة من رمل إتكأَ عليها، وقرن كفيه وكلّما امتلأتا من الدماء خضّب بها راسه ولحيته الشريفة وهو يقول: هكذا القى الله مخضّباً بدمي مغصوباً عن حقّي، ولسان حاله يقول:

تركت الخلق طرّاً في هواكا***وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطّعتني بالحبّ إرباً***لما مال الفؤاد الى سواكا

الى آخر ما في المقاتل المعتبرة التي لا يطاوعني ذكر ذلك، فانا لله وانا اليه راجعون.

الدعــاء:

ولما اشتدّ به الحال رفع طرفه الى السماء وقال: اللهم متعال المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء ، قريب اذا دُعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، تدرك ما طلبت، شكور إذا شُكِرْتَ، وذكور إذا ذُكِرْت، أدعوك محتاجا وارغب اليك فقيراً، وافزع اليك خائفاً وأبكي مكروباً، وأستعين بك ضعيفاً وأتوكّل عليك كافياً، اللهم أحكم بيننا وبين قومنا فانهم غرونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيّك، وولد حبيبك محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا أرحم الراحمين([225]).

ثم اردف قائلا:

صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك يا غياث المستغيثين([226])، مالي ربٌّ سواك ولا معبود غيرك، صبراً على حكمك يا غياث من لا غياث له يا دائماً لا نفاذ له، يا محيي الموتى، يا قائماً على كلّ نفس بما كسبت، احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين([227]).

فإنْ يكُ اسماعيل اسلم نفسه***الى الذَّبح في حجر الذي هو راحمه

فعاد ذبيح الله حقّاً ولم تكن***تصافحه بيض الظبى وتسالمه

فانّ حسيناً أسلم النفس صابراً***على الذبح في سيف الذي هو ظالمه

ومن دون دين الله جاد بنفسه***وكلّ نفيس كي تُشاد دعائمه

ورضَّت قراه العاديات وصدره***وسيقت على عجف المطاياكرائمه([228])

الجــواد:

جواد الإمام (عليه السلام)

وأقبل الفرس يدور حوله ويلطّخ ناصيته بدمه([229])فصاح ابن سعد دونكم الفرس فانه من جياد خيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأحاطت به الخيل فجعل يرمح برجليه حتى قتل أربعين رجلا وعشرة أفراس، فقال ابن سعد دعوه لننظر ما يصنع فلمّا أمن الطلب أقبل نحو الحسين (عليه السلام)يمرّغ ناصيته بدمه ويشمّه ويصهل صهيلا عالياً([230])، قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) كان يقول: الظليمة، الظليمة، من أمّة قتلت ابن بنت نبيّها، وتوجّه نحو المخيّم بذلك الصهيل([231])«فلما نظرن النساء الى الجواد مخزيّاً، والسرج عليه ملويّاً، خرجن من الخدور، ناشرات الشعور! على الخدود لاطمات، وللوجه سافرات، وبالعويل داعيات، وبعد العزّ مذلّلات، والى مصرع الحسين مبادرات»([232]).

فواحدة تحنو عليه تضمُّه***وأُخرى عليهِ بالرداء تظلِّل

وأُخرى بفيض النحر تصبغ وجهها***وأُخرى تفدِّيه وأُخرى تقبِّل

وأُخرى على خوف تلوذ بجنبه***وأُخرى لما قد نالها ليس تعقل([233])

ونادت العقيلة زينب: وا محمّداه، وا أبتاه، وا عليّاه، وا جعفراه، وا حمزتاه هذا حسينٌ بالعراء صريع بكربلاء([234])، ثم نادت: ليت السماء أطبقت على الأرض([235])، وليت الجبال تدكدكت على السهل([236])!! وانتهت نحو الحسين (عليه السلام) وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه، والحسين يجود بنفسه! فصاحت: أي عمر أيُقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه؟! فصرف بوجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته([237]) (المشؤومة).

فقالت: ويحكم أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد([238])! ثم صاح ابن سعد بالناس: انزلوا اليه وأريحوه، فبدر اليه شمر فرفسه برجله وجلس على صدره وقبض على شيبته المقدّسة وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة([239])، واحتزّ رأسه المقدّس!!

وهو يقول: والله اني لاحتزّ رأسك وأعلم انّك السيد المقدَّم وابن رسول الله وخير الناس أباً واُماً، ثم دفع الرأس الشريف الى خولى فقال: احمله الى عمر بن سعد.

ثم ان عمر بن سعد نادى في أصحابه من ينتدب للحسين ويوطئه فرسه! فانتدب عشرة، منهم: اسحاق بن حيْوة الحضرمي، واحبش بن مرثد الحضرمي. فأتوا فداسوا الحسين (عليه السلام) بخيلوهم حتى رضّوا ظهره وصدره([240]).

رأس ابن بنت محمّد ووصيّه***للناظرين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع***لا منكر منهم ولا متوجّع

كحلت بمنظرك العيون عماية***وأصم رزؤك كل اذن تسمع([241])

سلبـه:

وأقبل القوم على سلبه، فأخذ اسحاق بن حوية قميصه، وأخذ الأخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي عمامته، وأخذ الأسود بن خالد نعليه، وأخذ سيفه جميعُ بن الخلق الأودي، ويقال: رجل من بني تميم اسمه الأسود بن حنظلة.

وجاء بجْدَلُ فرأى الخاتم في اصبعه والدماء عليه فقطع اصبعه وأخذ الخاتم، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته([242]) وكان يجلس عليها فسمي قيس قطيفة([243])، وأخذ ثوبه الخلق جعونة بن حوية الحضرمي ، وأخذ القوس والحلل الرحيلُ بن خيثمة الجعفي وهاني بن شبيب الحضرمي وجرير بن مسعود الحضرمي([244])، وأراد رجل منهم أخذ تكّة سرواله وكان لها قيمة، وذلك بعدما سلبه الناس يقول: أردت أن أنزع التكّة فوضع يده اليمنى عليها فلم أقدر على رفعها فقطعت يمينه! فوضع يده اليسرى عليها فلم أقدر على رفعها فقطعتها وهممت بنزع السروال فسمعت زلزلة فخفت وتركته وغشي عليَّ ، وفي هذه الحال رأيت النبي وعليّاً وفاطمة والحسن، وفاطمة تقول: يا بني قتلوك، قتلهم الله، فقال لها: يا ام قطع يدي هذا النائم فدعت عليَّ وقالت: قطع الله يديك ورجليك وأعمى بصرك وأدخلك النار، فذهب بصري وسقطعت يداي ورجلاي فلم يبق من دعائها إلا النار([245])، ونعم ما رثى جدّه الشريف الرضي عليه الرحمة:

وا صريعاً عالج الموت بلا***شدِّ لحيين ولا مدِّ ردا

غسَّلوه بدم الطعن وما***كفَّنوه غير بوغاء الثرى

قتلوه بعد علم منهُمُ***أَنَّه خامس أصحاب الكسا

يا رسول الله يا فاطمة***يا أمير المؤمنين المرتضى

عظَّم الله لك الأجر بمن***كضَّ أحشاه الظما حتى قضى

تسمية من استشهد مع الحسين (عليه السلام)
من ولده، واخوته، وأهل بيته، وأصحابه
قال أبو مخنف الدينوري:

لمّا خرج الحسين (عليه السلام) من مكّة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص وكان عليهم أخوه يحيى بن سعيد فقالوا له: أتنْصرف، أين تذهب؟! فأبى عليهم الإمام ومضى، وتدافع الفريقان، فاضطربوا بالسياط، ثم ان الحسين (عليه السلام) وأصحابه إمتنعوا امتناعاً قويّاً، فخاف عمرو بن سعيد أن يتفاقم الأمر، فأمر أخاه ومن معه بالإنصراف([246]).

وكان الحسين لا يمر بأهل ماء إلاّ اتبعوه حتى إذا انتهى الى زبالة ، سقط اليه مقتل عبدالله بن يقطر، وكان سرحه الى مسلم بن عقيل رسولا من الطريق، فقبض عليه الحصين بن نمير قبل دخوله الكوفة فأخذه الى ابن زياد فأمر بقتله بعد مقتل مسلم وهو لا يدري، فأتى ذلك الخبر الى الحسين (عليه السلام) وهو في زبالة، فأخرج للناس كتاباً فقرأه عليهم، وهو: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد! فإنّه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبدالله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام».

فتفرّق الناس عنه تفريقاً، فأخذوا يميناً وشمالا حتى لم يبق من أصحابه إلا الذين جاءوا معه من مكّة([247])، انما فعل ذلك لأنه يعلم إنما اتبعه الأعراب ظنّاً منهم انه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله، فكره ان يسيروا معه الاّ وهم يعلمون علام يقدمون، وقد علم انّهم اذا بيّن لهم، لم يصحبه إلاّ الخلّص من أصحابه، ومن يريد مواساته والموت معه([248]).

فقد بقى معه رجاله الثائرون الحقيقيون وحدهم الذين خلّدهم التاريخ وسمّاهم بـ «أنصار الحسين (عليه السلام)».

وقد مرّ أصحاب الحسين باختبار ثان حين حثّهم على النجاة بأنفسهم في ليلة العاشر من محرّم قائلا لهم: هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا، ثم ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرّج الله، فانّ القوم انما يطلبوني، ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري([249]).

ولكنّهم رفضوا هذه الفرصة، وآثروا البقاء معه الى النهاية، واستشهدوا جميعاً.

ومن المؤكّد انّه لا سبيل لنا الى معرفة العدد الحقيقي لأصحاب الحسين (عليه السلام) الذين استشهدوا معه لان المستندات المباشرة لهذه الواقعة غير مبنيّة على الاحصاء الدقيق، بل مبنيّة على المشاهدة والتخمين كما تقضي طبيعة الموقف.

وفيما يلي نعرض الروايات الرئيسية في الموضوع.

روى عمّار الدهني عن الإمام ابي جعفر الباقر (عليه السلام)وقد جاء فيها، حتى اذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه «الحر بن يزيد التميمي»..] في الف فارس [فلما رأى ذلك عدل الى كربلا..

فنزل وضرب ابنيته، وكان أصحابه خمسة وأربعين فارساً ومائة راجل([250]).

وفي رواية أبي مخنف عن الضحّاك بن عبدالله المشرقي قال: فلمّا صلّى عمر بن سعد الغداة.. وكان العاشر من محرّم سنة 61 يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس.. وعبأ الحسين (عليه السلام) أصحابه وصلّى بهم الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلا([251]).

وهذه الرواية، من حيث العدد والتوقيت والمكان تتّفق مع روايات المؤرّخين المعاصرين للطبري أو المتقدّمين عليه، منهم أبو حنيفة الدينوري([252])، ومنهم اليعقوبي في تاريخه([253])، ومنهم الخوارزمي في مقتله([254])، ومنهم الشيخ المفيد في إرشاده([255]).

وممّا يجلب الانتباه ان عدد أصحاب الحسين (عليه السلام) لم يكن ثابتاً في جميع المراحل، منذ خروجه من مكّة الى بعد ظهر يوم عاشوراء في كربلاء، لالتحاق بعض الأنصار أثناء الطريق ومن البصرة وغيرها وحتى من الجيش المعادي، وخروج البعض الآخر منهم لعدة أسباب.

وتقديرنا الخاص نتيجة لما انتهى اليه البحث هو أن أصحاب الحسين (عليه السلام) الذين نقدر أنهم استشهدوا معه في كربلا فقط من العرب والموالي يقاربون مئة رجل أو يزيدون قليلا.

وهذه النتيجة توافق الى حدٍّ بعيد الروايات التي تصور ما حدث في الحملة الاولى.

قال الخوارزمي في روايته عن ابي مخنف ما معناه: لما انتهت الحملة الأولى والتلاحم بين الجيشين أسفر عن قتل ما ينيف على الخمسين رجلا من أصحاب الحسين (عليه السلام) وقد بان النقص فيهم([256]).

والذين ذكرهم ابن شهرآشوب ان الذين طلبوا المبارزة بعد الحملة الاولى يبلغون أربعين رجلا([257]) نكون قد قربنا من النتيجة التي أدّى بنا اليها البحث.

وإذا أخذنا نص المسعودي عن أبي مخنف قوله:

وكان جميع من قتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلا سبعة وثمانين رجلا منهم ابنه علي بن الحسين الأكبر([258]) هذا عدا الموالي الذين يبلغون عشرين رجلا، عشرة من موالي الحسين (عليه السلام)، واثنان من موالي علي (عليه السلام) ، وثمانية آخرون متفرّقون، هذا قبل أن يتحوّل الحرّ بن يزيد الرياحي الى معسكر الحسين (عليه السلام).

بات الحسين (عليه السلام) وأصحابه تلك الليلة «ليلة العاشر من المحرّم» ولهم دويٌّ كدويِّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فاستيقظ ضمير بعض عسكر عمر بن سعد وعبر اليهم اثنان وثلاثون رجلا([259]) وهناك آراء تنفي التحاقهم بالحسين وتقول ربّما اعتزل هؤلاء كلّيّاً عن الجيشين.

أما الذين نجوا من القتل وبقوا أحياءً فهم:

من الهاشميّين:

1 - الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، زين العابدين (عليه السلام).

2 - الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. أخذه أخواله جريحاً.

3 - عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب([260]).

من غير الهاشميّين:

1 - الضحّاك بن عبدالله المشرقي:

كان قد أعطى الحسين (عليه السلام) عهداً أن يقاتل معه ما كان قتاله معه نافعاً، فإذا لم يجد مقاتلا معه كان في حلٍّ من الإنصراف([261]).

2 - عقبة بن سمعان، مولى الرباب زوجة الإمام الحسين (عليه السلام):

اسر جريحاً قال لعمر بن سعد حين أراد قتله: أنا عبد مملوك فخلّى سبيله([262]).

3 - المرقع بن ثمامة الأسدي:

كان قد نثر نبله، وجثا على ركبتيه، فقاتل، فجاءه نفر من قومه فقالوا له أنت آمن، أخرج الينا، فخرج اليهم([263]).

هؤلاء هم الذين ثبت أنهم سلموا من المذبحة من الذكور.

ولدينا نصّ نقله الخوارزمي قال فيه:

«.. ولما أصبح الحسين (عليه السلام).. عبأ أصحابه.. فجعل على ميمنته زهير بن القين، وعلى ميسرته حبيب بن مظاهر، ودفع اللواء الى أخيه العبّاس بن علي، وثبت عليه السلام مع أهل بيته في القلب»([264]).

ويبدو أن موقع الراية - في نظام التعبئة - في القلب، وإذن فكل من ذكر أن الراية كانت في يد العباس بن علي عنى أن بني هاشم كانوا في القلب مع الحسين([265]).

نستثني منهم الشبّان الصغار الذين لم يكونوا في سنّ مناسبة للقتال، وهم بضعة أفراد استشهدوا حين لم يبق مع الحسين أحد من المقاتلين الهاشميين فاندفع هؤلاء الشبّان الى القتال، وقتلوا.

لقد كان من الممكن أن يزيد عدد أصحاب الحسين (عليه السلام) زيادة كبيرة ولو أنها لم تكن لتؤثر وحدها على نتيجة المعركة بنفسها، ولكنّها كانت تجعلها أطول واشد مرارة بالنسبة الى الجيش الأموي، مما كان من الممكن أن يُمكّن قوات أخرى أن تتدخل الى جانب الثورة، وعوامل مساعدة ذات طبيعة سياسية أن تحدث فتؤثر على نتيجة المعركة.

ويبدو أن السلطة كانت تخشى أن يتسامع الناس بما يحدث في كربلاء فيؤدي ذلك الى تدفق الأنصار على الحسين، ولذا استعجلت إنهاء المعركة والقضاء على الحسين وآله وصحبه، فرفضت المضي في المفاوضات.

ووجهت السلطة الحاكمة تأنيباً الى عمر بن سعد لأنه يحاور الحسين، واستخدمت سلاح العطش لا لمجرد التعذيب الجسدي، وإنّما لغاية اخرى أيضاً هي خفض القدرة القتالية لدى الحسين وقوّته الصغيره، وإضعاف خيلهم، وخلق مشكلة موجعة تنشأ من عطش النساء والأطفال.

وتبدو أن محاولة حبيب بن مظاهر الأسدي قد نبهت قيادة الجيش الأموي الى امكانية تسرّب قوّات موالية للحسين (عليه السلام) من جانب الفرات، فعززت أثر هذه المحاولة بالإضافة لحصار العطش، حماية الضفة من تسرّب أي انسان موال للحسين
السيد زكريا الهاشمي
السيد زكريا الهاشمي

عدد المساهمات : 166
نقاط : 404
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 16/12/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى