الضبيات تاريخ يعاني من الإهمال ومكتبة أقيمت على أنقاض جامع رسولي

"الضبيات" منطقة تنام على قمة جبل (دقار) الشاهق جنوب مدينة الضالع، وتبعد عنها قرابة 12 كم، وتختزل هذه المنطقة تاريخا ومعالم تاريخية تعود إلى عصر الدولتين الطاهرية والرسولية، وكانت منارة للعلم يقصدها طلاب العلم من جميع القرى والمناطق المجاورة، ووصفها المؤرخ إسماعيل الأكوع بهجرة العلم، ونظرا لمكانتها العلمية فقد توفرت لها حماية من الحروب، حيث أن هجر العلم لم تكن تتعرض للحروب والغزوات التي كانت تتعرض لها غيرها من المدن.
ولمنطقة الضبيات خصوصيات مازالت تتميز بها إلى اليوم، فأهالي المنطقة شديدو التمسك بالعادات والتقاليد القديمة، كما تقع المنطقة على هضبة مرتفعة ضمن سلسلة جبلية ذات طبيعة صخرية، وتكسوها من جهة الشمال المدرجات الزراعية الخصبة التي تزرع مختلف المحاصيل الزراعية.

دار العفيف
دار العفيف هو من أبرز المعالم التاريخية والأثرية في المنطقة، وقد بناه الأمير عبد الله بن علي بن سفيان الملقب بالعفيف، وأبوه هو الشيخ علي بن سفيان الذي يرتبط نسبه إلى الشيخ سفيان الولي، الذي له مسجد معروف بمدينة الحوطة بلحج، وهو مؤسس المدرسة السفيانية بعدن.
ويتكون هذا الدار من خمسة طوابق وترتفع واجهته الأمامية حولي 26 متراً، وكان الطابق الأرضي منه يستخدم كمخازن وسكن للمواشي، ويرجع بناؤه إلى القرن السادس عشر الميلادي، حيث تم بناؤه خلال الفترة من 1510-1540.. واستخدمت في بنائه أحجار البازلت الأسود، وطليت واجهته بالجير، وزينت نوافذ الدور الأخير بالطابع المحلي المعروف بالمنطقة، ويعتبر الدار حصناً منيعاً ولا يوجد له سوى مدخل واحد، وكان مركزاً للعلم يقصده العلماء وطلاب العلم من كل مكان.
وقد تعرض هذا الدار لانهيارات واندثار، ولم يبق منه سوى بقايا غرف وأعمدة مهددة بالاندثار في ظل إهمال الجهات المعنية في الحفاظ عليه وصيانته وترميمه، أما بوابة الدار وواجهته الأمامية فهي كل ما تبقى من الدار، وهي تكشف عن إبداع التصميم المعماري، وسحر النقوش التي ما زالت تزين الواجهة المتبقية منه.

جامع سفيان بن يوسف
بني هذا الجامع في عهد دولة الرسوليين، وكانت له قبة تجاورها غرفتان تسميان المعلامتان (أي معلامة للرجال ومعلامة للنساء)، وكان يتم فيها تعليم القرآن والحديث والفقه، وقد تخرج من هذا الجامع فقهاء وعلماء مشهورون، مازالت قبورهم مميزة إلى اليوم فضلا عن مخطوطاتهم النادرة التي كتبت بأيديهم، ومن هؤلاء العلماء العلامة البريهي وباشريع والجبرتي والسيد حسن وعلي محسن العقيلي، الذي مازالت مخطوطاته في الفقه والحديث محفوظة في مكتبة الضبيات، ولم يطلها العبث والحرق كما طال الكثير من المخطوطات الأخرى.
ورغم أن بعض فقهاء وأعلام الضبيات لا يزالون أحياء كالشيخ محمد صالح رجب إمام وخطيب جامع النور بالشيخ عثمان، وغيره من العلماء، إلا أنه وأثناء محاولاتنا في العثور على جامع سفيان أشار لنا الجميع باتجاه المكتبة، الأمر الذي أصابنا بصدمة، متسائلين كيف يتم بناء مكتبة على أنقاض جامع تاريخي وديني كان مزارا للسياحة الدينية في اليمن.

جامع الأربع قباب
يتوسط جامع الأربع قباب المدينة، وهو ما زال شاهقاً وشاهداً بقبابه الأربع ومآذنه المزخرفة على فن وإبداع العمارة اليمنية الساحرة التي أعطت الجامع سحرا يسلب ألباب المريدين والزوار لهذا المعلم التاريخي، حيث يرجع تاريخ بنائه إلى القرن السابع عشر ولم يعرف من الذي بنى هذا الجامع.

دقار (وقبة السيد حسن)
يعتبر جبل دقار من أعلى جبال المنطقة، حيث تعلو قمته قبة كبيرة بداخلها قبر السيد حسن أحد أعلام وأئمة المنطقة، ويقع قبر السيد حسن في وسط هذه القبة تعبيراً على الطهارة والنزاهة التي كان يتحلى بها، وهذه القبة تعتبر معلما تاريخياً هاماً للمنطقة، حيث تشاهد شامخة في قمة الجبل من جميع الاتجاهات ومن المناطق المجاورة.
الضبيات محطة تاريخية تختزل تاريخ حضارة وأعلام وصلوا إلى مراتب عالية في العلم والحكم، ولكنها اليوم مهددة بالنسيان والفناء، ومعالمها على وشك الانهيار والضياع، الأمر الذي يتطلب تحركا فوريا لحماية هذه المعالم التاريخية من الضياع والاندثار.. فهل تتحرك الجهات المعنية، أم ستنتظر حتى يضيع كل شيء؟ سؤال ستجيب عليه الأيام.